أقبل علينا شهر رمضان بما فيه من الخير والبركات والرحمات فهو فرصة لمن أراد النجاخ في الدنيا والأخرة وغنيمة لمن أراد جمع الحسنات ليوم تكون فيه الحسرات على ضياع الأوقات ، فياسعادة من أحسن استغلال هذا الشهر ويا تعاسة من أساء استغلاله أو لم يخرج منه فائزا منتصرا ظافرا بمغفرة الله .
أحبتي في الله. إن من الواجب علينا في هذا الشهر هو أن لا يكون كأي شهر من الشهور بل يجب أن يكون شهرا خاصا نتخذه قنطرة للنجاح في سواه من الشهور ولهذا علينا أن نتربى في هذا الشهر وتبري أولادنا وأهلينا ونربي المجتمع من حولنا ، فرمضان فرصة كبيرة لإصلاح الذات وتغيير النفس والتخلص من الكثير من العادات السيئة والمعاصي المكررة والتي كثرت بين الكثير من أبناء هذه الأمة .
أحبتي في الله ... لا يستطيع الأنسان أن يذكر جميع فضائل هذا الشهر أو أن يحصرها ، ولأن هذا الأمر تحدث فيه الكثيرون فإني أريد أن أتعرض لأمر آخر وهو التربية وبناء النفس في رمضان وألخص ذلك في عدة نقاط :
أولا : التربية على الإخلاص في العمل :-
أحبتي ..قد يقول قائل ماهو الإخلاص الذي يأتي في الكتاب والسنة وفي استعمال السلف الصالح رحمهم الله ..
فأقول : لقد تنوَّعت تعاريف العلماء للإخلاص ، ولكنها تصبُّ في معين واحد
ألا وهو أن يكون قصد الإنسان في سكناته وحركاته وعباداته الظاهرة والباطنة خالصة لوجه الله تعالى لا يريد بها شيئاً من حطام الدنيا أو ثناء الناس .
قال الفضل بن زياد : سألت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد بن حنبل ـ سألته عن النية في العمل ، قلت : كيف النية ، قال : يعالج نفسه إذا أراد عملاً لا يريد به الناس ..أن يعالج نفسه فإذا أراد عملاً لا يريد به إلا وجه الله تبارك تعالى ..
قال أحد العلماء : نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى لا يمازجه نفسٌ ولا هوىً ولا دنيا .
عباد الله ..
إنَّ شأن الإخلاص.. إنَّ شأن الإخلاص مع العبادات بل مع جميع الأعمال ، حتى المباحة لعجيب جداً ..
فبالإخلاص يعطي الله على القليل الكثير ، وبالرياء وترك الإخلاص لا يعطي الله على الكثير شيئاً ، ورُبَّ درهم سبق مئة ألف درهم ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : والنوع الواحد من العمل ... والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمن فيه إخلاصه وعبوديته لله فيغفر الله به كبائر الذنوب ، كما في حديث البطاقة ..
وحديث البطاقة كما أخرجه الترمذي وحسنَّه النسائي وابن حبَّان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة .. يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فيُنشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجِّلٍ منها مدَّ البصر ، ثم يقال : أتنكر من هذا شيئاً !! أظلمك كتبتي الحافظون !! فيقول : لا يا ربي ، فيُقال : أفَلك عذر أو حسنة فيها ؟! فيقول الرجل : لا يا ربي ، فيُقال : بلى .إنَّ لك عندنا حسنة ..إنَّ لك عندنا حسنة ، وإنه لا ظلم عليك اليوم ، فيُخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، فيقول : يا ربّي ما هذه البطاقة !.. ما هذه البطاقة ، وما تصنع مع هذه السجلات من الذنوب ! ، فيُقال : إنك لا تظلم اليوم . فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة ، فتطيش السجلات وتثقل البطاقة ) صححه االذهبي رحمه الله .